الخميس، ٢٩ رمضان ١٤٢٨ هـ

إلى مية الجريبي

إلى مية الجريبي عروس الحرية

جئت في الزمن الرديء،لتجعلي من جسدك النحيل جسرا إلى الآتي
جئت مثل آخر الأنبياء لتضيئي بجسدك الهزيل ليلنا الطويل ،وتمنحينا فرصة أخرى لنكون!!
ماذا دهاك لتفكري بهذه الطريقة ،وتمنحي البلد حشاشة الروح؟ونبض العروق وخلجات الفؤاد!!
ماكان أغناك عن الجوع وإضراب الجوع !!أليست الحياة جميلة وموائد السلطان عامرة!!فلماذا تركت كل شيء
واندفعت إلى الموت تؤدين ضريبة العشق:عشق الوطن والناس!!
يا ابنة الخضراء:يا عروس الحرية :يزفك الجوع لمقام القديسين ،يتعالى بك فوق مرتبة الخلق لتكوني
كما تريدين:شمعة تضيء طريق البائسين وتمنح الأمل لليائسين!!

أيتها التونسية حتى النخاع
أيتها الفارسة القادمة على أجنحة الضياء
يا صوتنا الذي تحجر في الحناجر
يا ربيعنا الذي يتأجل

أيتها الواقفة بشموخ فوق صفحات التاريخ :تكتبين صفحات العز والكرامة!!وتعيدين تشكيل الأشياء
وتعيدين المعاني للكلمات
والإيقاع لأيامنا الرتيبة
والحياة للحياة

نحبك اليوم أكثر!!
نحبك اليوم أكثر
!!

عن إيديولوجيا البؤس

على هامش إضراب الجوع : عن الإيديولوجيا والحسابات البائسة
عندما سألت محمد التازي الشيوعي السابق ،الذي تفنبر أخيرا :هل تساند إضراب الجوع ؟حك صلعته ،وجذب نفسا عميقا من الشيشة المنتصبة أمامه قبل أن يصعقني بقولتين أثيرتين واحدة لهيغل وأخرى لإبن رشد ليختم بالتأكيد على أن إضراب الجوع يندرج ضمن إديولوجيا جلد الذات المتمحورة حول تضخم الأنا ،لذلك هو لا يساند الإضراب ولكنه يرى ضرورة التعامل مع الوضع القائم ضمن رؤيا إيجابية تقوم على التدرج ومراعاة الوضع العالمي المتدهور!!ولما لا حظ فمي المفتوح على آخره من الدهشة فاضحا غبائي وجهلي ،أزاح الشيشة جانبا وهمس في أذني:يا سيدي أنا ضد الإضراب ،ولا تسألني لماذا !!لأن موقفي يعبر عن التزام شخصي لا شأن للآخرين به!!
هنا تدخل :حسن العياري الذي بدأ حياته ضمن الحزب الدستوري قبل أن يصبح نقابيا ويدخل السجن في آخر السبعينات بعد الإضراب العام الشهير ،لينضم إلى الإسلاميين بعد خروجه من السجن ويعلن توبته بعد ذلك لينضم للناصريين قبل أن يتفمبر ويصبح بعد ذلك كادرا مؤثرا في حزب معارض
-شوف يا صديقي:أنا إنسان دغري،سأقول لك لماذا لا أساند الإضراب :بكل بساطة
لأن أحد المُضربين عن الطعام له مطامح شخصية مشبوهة تتصل بالزعامة والكاريزما
المتورمة ،ثم إننا معشر التونسيين راضون عن واقعنا ،ومحتاجون لرص الصفوف لنلحق سريعا باليابان أو كوريا الجنوبية ،وبعدين وضعي في المعارضة الإيجابية عال العال فلماذا
أقحم نفسي في ما لا ينفعني:قال ذلك وهو يشير بطرف خفي تجاه أحد الحاضرين ،وقد اقترب منا بشكل لافت و قد انتصبت أذناه مثل قرني استشعار ودلت ملامحه أنه مهتم كل الإهتمام بما يدور بيننا من حوار
-طيب ،قلت لهما يائسا:يعني نتركهما يموتان ،وننشغل نحن بالإيديولوجيا والمثيولوجيا
والتحاليل البيسكو سوسيولوجية ؟
هنا تدخل صديقي حسان الذي كان يتابع الحوار ساهما وهو يدخن سيجارته الرخيصة بشراهة
-اسمع يا صاحبي:أنا تعرفني جيدا،لست مع السلطة ولست سلفيا ولست مع المعارضة الكرتونية ومع ذلك أنا ضد الإضراب!!
وقبل أن يترك لي المجال لأنبس ببنت شفة :ارتشف القطرات الأخيرة من فنجان القهوة المرة أمامه ،وجذب نفسا عميقا من سيجارته "البوستة"
-يجب أن تعلم يا صاحبي أن للصراع مع قوى التسلط أصولا وقواعد وضوابط بعضها يندرج ضمن التكتيك والأخرى ضمن الإستراتيجيا ،ولا يمكن أن نخوض المعركة مع تلك القوى
إلا عندما تحين اللحظة الموضوعية المناسبة:أي اللحظة التي تنضج فيها قوى التغيير وتكون
قادرة على المبادرة ...
وضعت يدي على فمه لأمنعه من الإستمرار في الحديث وخرجت مسرعا ،أطلب بعض الهواء النقي،قبل أن يغلبني القيء

سامحكم الله يا أبناء وطني أدلجتم كل شيء ،فضاع الوطن في الزحام!!

السبت، ٢٤ رمضان ١٤٢٨ هـ

أوقفوا هذه المهزلة

أوقفوا هذه المهزلة
بعيدا عن الفهلوة البلاغية ،والسياسوية،التي جعلت تسعين في المائة من الشعب التونسي يكفر بالسياسةويلعن سلسفيل جدها الأول،إضراب الجوع الذي تنفذه رئيسة حزب معارض معترف به ومعتدل ،ولا غبار على وطنيته وعقلانيته،عار
على البلد وعلى مواطنيها وعلى ماضيها ومستقبلها!
من القلب،أقول لكل تونسي مهما كان موقعه في المعارضة أو في الحكم :عيب علينا جميعا أن نترك مية الجريبي ونجيب الشابي يخوضان عنا معركة الحريةوحيدين دون أن نقف معهما وقفة حقيقية حازمة جازمة ،تسمي الأشياء بأسمائها وتصارح السلطة بدون مواربة أو مراوغة بأن الأمور تجاوزت كل الحدود ،وأن محاربة هذا الحزب وغيره في مقراته :يمثل خطأ قاتلا وخطيرا سيؤثر تأثيرا مدمرا على مستقبل البلد وعلى كل ما أنجزه في نصف قرن!!
هل هناك عقلاء:يبلغون السلطة عندنا أن هذا الإضراب وصمة عار على جبيننا جميعا نحن التونسيين ،حكاما ومحكومين،لأن الرسالة الأولى التي يرمز إليها هذا الإضراب:هو اليأس المطلق الفاجر،بانسداد الآفاق واستحالة الإصلاح ،وعدم إمكانية شيوع العدل في هذه الربوع لدرجة أنه لم يبق لنا إلا التضحية بأرواحنا للدفاع عن الجدار الأخير!! ما أبشع هذه الرسالة وما أخطرها على بلدنا ومستقبلنا!! هل هناك تونسي واحد يرضى أن يشيع الياس لدى التونسيين لدرجة التضحية بأرواحهم؟ هل هناك تونسي واحد يرضى بأن تُطارد المعارضة الديمقراطية الوطنية المعتدلة ،فلاتجد مساحة بعرض هذا الوطن وطوله تمارس من خلاله نشاطها السياسي؟ مرة ثانية ،بعيدا عن الفهلوة البلاغية والسياسوية ،بعيدا عن الحسابات الضيقة والواسعة ،بعيدا عن المعارضة والموالاة بعيدا عن التصنيف البائس:مع أو ضد السلطة: اوقفوا هذه المهزلة،ضعوا حدا لهذا العار:ليتحرك الجميع معارضة وسلطة باتجاه هذين المضربين ،من أجل تحقيق مطالبهما التي نعرف جميعا أنها مشروعة ومعتدلة ،حتى يفكا إضرابهما قبل فوات الأوان ،قبل أن يحصل لهما أي مكروه ونخرج جميعا خاسرين ،وطنا ومواطنين!! هذا النداء أتوجه به لكل عاقل في هذا الوطن:فهل من مجيب؟