الخميس، ٢٩ رمضان ١٤٢٨ هـ

عن إيديولوجيا البؤس

على هامش إضراب الجوع : عن الإيديولوجيا والحسابات البائسة
عندما سألت محمد التازي الشيوعي السابق ،الذي تفنبر أخيرا :هل تساند إضراب الجوع ؟حك صلعته ،وجذب نفسا عميقا من الشيشة المنتصبة أمامه قبل أن يصعقني بقولتين أثيرتين واحدة لهيغل وأخرى لإبن رشد ليختم بالتأكيد على أن إضراب الجوع يندرج ضمن إديولوجيا جلد الذات المتمحورة حول تضخم الأنا ،لذلك هو لا يساند الإضراب ولكنه يرى ضرورة التعامل مع الوضع القائم ضمن رؤيا إيجابية تقوم على التدرج ومراعاة الوضع العالمي المتدهور!!ولما لا حظ فمي المفتوح على آخره من الدهشة فاضحا غبائي وجهلي ،أزاح الشيشة جانبا وهمس في أذني:يا سيدي أنا ضد الإضراب ،ولا تسألني لماذا !!لأن موقفي يعبر عن التزام شخصي لا شأن للآخرين به!!
هنا تدخل :حسن العياري الذي بدأ حياته ضمن الحزب الدستوري قبل أن يصبح نقابيا ويدخل السجن في آخر السبعينات بعد الإضراب العام الشهير ،لينضم إلى الإسلاميين بعد خروجه من السجن ويعلن توبته بعد ذلك لينضم للناصريين قبل أن يتفمبر ويصبح بعد ذلك كادرا مؤثرا في حزب معارض
-شوف يا صديقي:أنا إنسان دغري،سأقول لك لماذا لا أساند الإضراب :بكل بساطة
لأن أحد المُضربين عن الطعام له مطامح شخصية مشبوهة تتصل بالزعامة والكاريزما
المتورمة ،ثم إننا معشر التونسيين راضون عن واقعنا ،ومحتاجون لرص الصفوف لنلحق سريعا باليابان أو كوريا الجنوبية ،وبعدين وضعي في المعارضة الإيجابية عال العال فلماذا
أقحم نفسي في ما لا ينفعني:قال ذلك وهو يشير بطرف خفي تجاه أحد الحاضرين ،وقد اقترب منا بشكل لافت و قد انتصبت أذناه مثل قرني استشعار ودلت ملامحه أنه مهتم كل الإهتمام بما يدور بيننا من حوار
-طيب ،قلت لهما يائسا:يعني نتركهما يموتان ،وننشغل نحن بالإيديولوجيا والمثيولوجيا
والتحاليل البيسكو سوسيولوجية ؟
هنا تدخل صديقي حسان الذي كان يتابع الحوار ساهما وهو يدخن سيجارته الرخيصة بشراهة
-اسمع يا صاحبي:أنا تعرفني جيدا،لست مع السلطة ولست سلفيا ولست مع المعارضة الكرتونية ومع ذلك أنا ضد الإضراب!!
وقبل أن يترك لي المجال لأنبس ببنت شفة :ارتشف القطرات الأخيرة من فنجان القهوة المرة أمامه ،وجذب نفسا عميقا من سيجارته "البوستة"
-يجب أن تعلم يا صاحبي أن للصراع مع قوى التسلط أصولا وقواعد وضوابط بعضها يندرج ضمن التكتيك والأخرى ضمن الإستراتيجيا ،ولا يمكن أن نخوض المعركة مع تلك القوى
إلا عندما تحين اللحظة الموضوعية المناسبة:أي اللحظة التي تنضج فيها قوى التغيير وتكون
قادرة على المبادرة ...
وضعت يدي على فمه لأمنعه من الإستمرار في الحديث وخرجت مسرعا ،أطلب بعض الهواء النقي،قبل أن يغلبني القيء

سامحكم الله يا أبناء وطني أدلجتم كل شيء ،فضاع الوطن في الزحام!!

ليست هناك تعليقات: