الثلاثاء، ٣ ذو القعدة ١٤٢٨ هـ

لا فائدة!!

أنظر من حولي ،فلا أجد غير السماسرة ،وباعة الأحلام ،والمتسلقين :الذين اغتصبوا منا كل الأحلام الممكنة!! اغتصبوا الوطن ،والحلم معا اعتصروا الوطن مثل ليمونة،امتصوا رحيقه،نهشوا لحمه،امتهنوا كرامته ،سرقوا خيراته وعندما رفعنا صوتنا منادين ببعض الحرية :تصايحوا مشيرين إلينا بأصابعهم :أيها الخونة ،ايها المناوئون،!! وحاصرونا وطاردونا في كل مكان،وسدواأمامنا كل الأبواب!!بدعوى أن الوطن من حقهم وحدهم !! وأنهم وحدهم ،من يحق له أن يمنح الموت والحياة ،وصكوك الوطنية !!
***
ما أصعب أن يجدالحر نفسه ،ولا سبيل أمامه إلا الولاء المطلق ،وبوس الأيادي ،ليعيش!! ما أقسى:أن ترى أنصاف المثقفين والقوادين ،والجهلة يحتلون أرفع المناصب في الصحافة وفي كل مكان،فقط لأنهم يعرفون السبل السالكة،ويتقنون فن المديح والكذب!!والتزحلق بين مختلف التيارات والإتجاهات!!
***
لياخذوا الوطن وكل شيء جميل فيه وليحكموا بأحكامهم !! لينهبوا،ويسلبوا،وليسطوا،على كل ما تصل إليه ايديهم عني،لن أحني جبيني ولن ألطخ قلمي بالعار وسأعيش حرا،حتى وإن لازمت بيتي لا أبرحه!!

الأحد، ١ ذو القعدة ١٤٢٨ هـ

آآآآآه يا بلد

هم وحدهم أسياد البلد
يملكون كل شيء فيه :ذرة التراب وقطرة الماء وشعاع الشمس
يملكون الحلم والأمل والذاكرة
يملكون الماضي والحاضر والمستقبل
يملكون التاريخ والجغرافيا
،يملكون الموت والحياة
يملكون :الأقلام أيضا ،ومداد الأقلام،
يملكون كل شيء،يا صديقي
ولم يعد لنا إلا أن ننفجر أو نموت

الخميس، ٢٩ رمضان ١٤٢٨ هـ

إلى مية الجريبي

إلى مية الجريبي عروس الحرية

جئت في الزمن الرديء،لتجعلي من جسدك النحيل جسرا إلى الآتي
جئت مثل آخر الأنبياء لتضيئي بجسدك الهزيل ليلنا الطويل ،وتمنحينا فرصة أخرى لنكون!!
ماذا دهاك لتفكري بهذه الطريقة ،وتمنحي البلد حشاشة الروح؟ونبض العروق وخلجات الفؤاد!!
ماكان أغناك عن الجوع وإضراب الجوع !!أليست الحياة جميلة وموائد السلطان عامرة!!فلماذا تركت كل شيء
واندفعت إلى الموت تؤدين ضريبة العشق:عشق الوطن والناس!!
يا ابنة الخضراء:يا عروس الحرية :يزفك الجوع لمقام القديسين ،يتعالى بك فوق مرتبة الخلق لتكوني
كما تريدين:شمعة تضيء طريق البائسين وتمنح الأمل لليائسين!!

أيتها التونسية حتى النخاع
أيتها الفارسة القادمة على أجنحة الضياء
يا صوتنا الذي تحجر في الحناجر
يا ربيعنا الذي يتأجل

أيتها الواقفة بشموخ فوق صفحات التاريخ :تكتبين صفحات العز والكرامة!!وتعيدين تشكيل الأشياء
وتعيدين المعاني للكلمات
والإيقاع لأيامنا الرتيبة
والحياة للحياة

نحبك اليوم أكثر!!
نحبك اليوم أكثر
!!

عن إيديولوجيا البؤس

على هامش إضراب الجوع : عن الإيديولوجيا والحسابات البائسة
عندما سألت محمد التازي الشيوعي السابق ،الذي تفنبر أخيرا :هل تساند إضراب الجوع ؟حك صلعته ،وجذب نفسا عميقا من الشيشة المنتصبة أمامه قبل أن يصعقني بقولتين أثيرتين واحدة لهيغل وأخرى لإبن رشد ليختم بالتأكيد على أن إضراب الجوع يندرج ضمن إديولوجيا جلد الذات المتمحورة حول تضخم الأنا ،لذلك هو لا يساند الإضراب ولكنه يرى ضرورة التعامل مع الوضع القائم ضمن رؤيا إيجابية تقوم على التدرج ومراعاة الوضع العالمي المتدهور!!ولما لا حظ فمي المفتوح على آخره من الدهشة فاضحا غبائي وجهلي ،أزاح الشيشة جانبا وهمس في أذني:يا سيدي أنا ضد الإضراب ،ولا تسألني لماذا !!لأن موقفي يعبر عن التزام شخصي لا شأن للآخرين به!!
هنا تدخل :حسن العياري الذي بدأ حياته ضمن الحزب الدستوري قبل أن يصبح نقابيا ويدخل السجن في آخر السبعينات بعد الإضراب العام الشهير ،لينضم إلى الإسلاميين بعد خروجه من السجن ويعلن توبته بعد ذلك لينضم للناصريين قبل أن يتفمبر ويصبح بعد ذلك كادرا مؤثرا في حزب معارض
-شوف يا صديقي:أنا إنسان دغري،سأقول لك لماذا لا أساند الإضراب :بكل بساطة
لأن أحد المُضربين عن الطعام له مطامح شخصية مشبوهة تتصل بالزعامة والكاريزما
المتورمة ،ثم إننا معشر التونسيين راضون عن واقعنا ،ومحتاجون لرص الصفوف لنلحق سريعا باليابان أو كوريا الجنوبية ،وبعدين وضعي في المعارضة الإيجابية عال العال فلماذا
أقحم نفسي في ما لا ينفعني:قال ذلك وهو يشير بطرف خفي تجاه أحد الحاضرين ،وقد اقترب منا بشكل لافت و قد انتصبت أذناه مثل قرني استشعار ودلت ملامحه أنه مهتم كل الإهتمام بما يدور بيننا من حوار
-طيب ،قلت لهما يائسا:يعني نتركهما يموتان ،وننشغل نحن بالإيديولوجيا والمثيولوجيا
والتحاليل البيسكو سوسيولوجية ؟
هنا تدخل صديقي حسان الذي كان يتابع الحوار ساهما وهو يدخن سيجارته الرخيصة بشراهة
-اسمع يا صاحبي:أنا تعرفني جيدا،لست مع السلطة ولست سلفيا ولست مع المعارضة الكرتونية ومع ذلك أنا ضد الإضراب!!
وقبل أن يترك لي المجال لأنبس ببنت شفة :ارتشف القطرات الأخيرة من فنجان القهوة المرة أمامه ،وجذب نفسا عميقا من سيجارته "البوستة"
-يجب أن تعلم يا صاحبي أن للصراع مع قوى التسلط أصولا وقواعد وضوابط بعضها يندرج ضمن التكتيك والأخرى ضمن الإستراتيجيا ،ولا يمكن أن نخوض المعركة مع تلك القوى
إلا عندما تحين اللحظة الموضوعية المناسبة:أي اللحظة التي تنضج فيها قوى التغيير وتكون
قادرة على المبادرة ...
وضعت يدي على فمه لأمنعه من الإستمرار في الحديث وخرجت مسرعا ،أطلب بعض الهواء النقي،قبل أن يغلبني القيء

سامحكم الله يا أبناء وطني أدلجتم كل شيء ،فضاع الوطن في الزحام!!

السبت، ٢٤ رمضان ١٤٢٨ هـ

أوقفوا هذه المهزلة

أوقفوا هذه المهزلة
بعيدا عن الفهلوة البلاغية ،والسياسوية،التي جعلت تسعين في المائة من الشعب التونسي يكفر بالسياسةويلعن سلسفيل جدها الأول،إضراب الجوع الذي تنفذه رئيسة حزب معارض معترف به ومعتدل ،ولا غبار على وطنيته وعقلانيته،عار
على البلد وعلى مواطنيها وعلى ماضيها ومستقبلها!
من القلب،أقول لكل تونسي مهما كان موقعه في المعارضة أو في الحكم :عيب علينا جميعا أن نترك مية الجريبي ونجيب الشابي يخوضان عنا معركة الحريةوحيدين دون أن نقف معهما وقفة حقيقية حازمة جازمة ،تسمي الأشياء بأسمائها وتصارح السلطة بدون مواربة أو مراوغة بأن الأمور تجاوزت كل الحدود ،وأن محاربة هذا الحزب وغيره في مقراته :يمثل خطأ قاتلا وخطيرا سيؤثر تأثيرا مدمرا على مستقبل البلد وعلى كل ما أنجزه في نصف قرن!!
هل هناك عقلاء:يبلغون السلطة عندنا أن هذا الإضراب وصمة عار على جبيننا جميعا نحن التونسيين ،حكاما ومحكومين،لأن الرسالة الأولى التي يرمز إليها هذا الإضراب:هو اليأس المطلق الفاجر،بانسداد الآفاق واستحالة الإصلاح ،وعدم إمكانية شيوع العدل في هذه الربوع لدرجة أنه لم يبق لنا إلا التضحية بأرواحنا للدفاع عن الجدار الأخير!! ما أبشع هذه الرسالة وما أخطرها على بلدنا ومستقبلنا!! هل هناك تونسي واحد يرضى أن يشيع الياس لدى التونسيين لدرجة التضحية بأرواحهم؟ هل هناك تونسي واحد يرضى بأن تُطارد المعارضة الديمقراطية الوطنية المعتدلة ،فلاتجد مساحة بعرض هذا الوطن وطوله تمارس من خلاله نشاطها السياسي؟ مرة ثانية ،بعيدا عن الفهلوة البلاغية والسياسوية ،بعيدا عن الحسابات الضيقة والواسعة ،بعيدا عن المعارضة والموالاة بعيدا عن التصنيف البائس:مع أو ضد السلطة: اوقفوا هذه المهزلة،ضعوا حدا لهذا العار:ليتحرك الجميع معارضة وسلطة باتجاه هذين المضربين ،من أجل تحقيق مطالبهما التي نعرف جميعا أنها مشروعة ومعتدلة ،حتى يفكا إضرابهما قبل فوات الأوان ،قبل أن يحصل لهما أي مكروه ونخرج جميعا خاسرين ،وطنا ومواطنين!! هذا النداء أتوجه به لكل عاقل في هذا الوطن:فهل من مجيب؟

الاثنين، ١٠ محرم ١٤٢٨ هـ

أنا وحماتي وكوفي عنان

أنا وحماتي وكوفي عنان
لالالا،الأمور تجاوزت كل الخطوط الحمراء!!ولم يعد ممكنا السكوت بعد اليوم!!بدء،أنبه أنه لا صلة ظاهرة لكوفي عنان بهذا المقال!!ولست أدري لماذا حشرته في هذا السخف الذي أكتبه!!
لنبدأ من البداية،منذ ثلاثة أسابيع ،طاب المقام للسيدة حماتي عندي في البيت،وهي تنوي أن "تؤنسنا"حتى نهاية الشتاء!!إذا لم يطرأ ما يجعلها تبقى حتى آخر الصيف!!إلى هنا ربما يبدو الحدث عاديا ،وسيبدأ البعض منكم في التفكير في الضغط على زر الخروج لترك هذا المتصفح!!
لكن رجاء!!انتظروا بعض الوقت لأن حماتي ليست حماة عادية!!عمرها سبعون سنة لا تعترف منها إلا بالنصف!!مستواها التعليمي لم يتجاوز الإبتدائية وتدعي أنها أكثر اطلاعا وثقافة من محمد علي هيكل[تقصد محمد حسنين هيكل]لم تشارك في أي مظاهرة في حياتها ولم تسمح لأي من أبنائها أن ينضم للمعارضة وتدعي أنها أكثر وطنية من مانديلا!!وهي لا تترك نقاشا في السياسة أو في الدين أو في الأدب أو في الرياضة إلا وخاضت فيه وبزت محاوريها مهما يكن مستواهم الفكري!!ولحماتي جواب ما جاهز لكل سؤال ،وتأويل لكل إشكالية وحل لكل معضلة،ومخرج لكل أزمة !!حتى أنه عندها حل لمشكلة البطالة التي تنهك دول الجنوب:إكراه الشباب على بناء مدن في الصحراء!!وعندها حل لمشكلة فلسطين:إدخال اليهود إلى الإسلام!!وعندها حل لمشكلة الصراع بين السنة والشيعة:عودة الأمويين للحكم!!وتمتهن حماتي كل المهن التي تخطر على بالكم:فهي عرافة،وقد تنبأت بالمناسبة بأن نهاية الكون ستكون يوم وفاتها!!وهي خاطبة:ومع انه لم تنجح اي زيجة كانت هي واسطة فيها ،فهي تدعي مع ذلك أن الذنب ليس ذنبها بل ذنب "الهجمة الأميريكية الشرسة على الأمة"!!
وهي طبيبة تقليدية تداوي بالأعشاب:تختارها من حديقة منزلي وتدعي أنها جُلبت لها خصيصا من الهند!!
ومع كل هذا كان يمكن احتمالها!!ولكنها بدات منذ مدة تتدخل في حياتي وأموري الشخصية بشكل ينذر بالخطر!!فقد بدات تقنع ابنتها [حرمنا المصون] بأنه من الخير لها أن تطلب الطلاق كي تستورد لها عريسا أجنبيا "من بتاع البترودولار"سيبدل فقرها غنى وشقاءها نعيما !!-ماذا يعجبك فيه،قالت لها لا له في العير ولا في النفير،لا جمال ولا مال،الفقر وكثرة العيال!!موظف غلبان كحيان ،لم تري معه يوما سعيدا يلتهم أيامك وشبابك كالمرض العضال!!وحين أعادت لي حرمنا المصون ماقالته أمها بالحرف،سالتها بكل ثقة في النفس:طبعا ما قالته أمك ،مجرد تخريف،أنت لا يمكن أن تصدقيه!!ولكن حرمنا ردت :بعد أن سرحت بعيدا،ربما هي أدرى بمصلحتي!! فما الحل!!

الجمعة، ٢٢ ذو الحجة ١٤٢٧ هـ

أروع ما قرأته عن إعدام صدام



في اليوم الثامن من ذي الحجة، دخل ملايين الحجاج في حجهم وفي عالمهم، وقضينا ذلك اليوم في منى، نتأهب ليوم الحج الأعظم، يوم عرفة، الذي جاء هذه السنة في يوم جمعة.
"منذ ذلك اليوم انقطعت عن العالم وعن أخبار العالم، فلا راديو ولا تلفزيون، ولا جريدة ولا إنترنت، ولا هاتف ثابت ولا جوال.
وحينما كنت أحس بالرغبة المعتادة في معرفة الأخبار، وخاصة أخبار العالم الإسلامي، وأخبار القضايا الإسلامية الساخنة، كنت أهون على نفسي بأن العالم الإسلامي كله الآن يوجد من حولي، في منى وفي عرفات، وليس الخبر
كالعيان، وحتى إسماعيل هنية، هاهو معنا في الحج.
قضينا يوم عرفة بطوله وعرضه، وبسمكه وعمقه، وبهيبته وخشوعه، دعونا وتلونا ما شاء الله، من أول النهار إلى أول الليل.
كنت أفكر في قوله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) وأقول: الظاهر أن يوم عرفة هو أيضا "خير من ألف يوم"، فكل الأدلة تشير إلى هذا وتبشر بمعناه. هذا اليوم الطويل كان متبوعا بليلة أطول، يتراكم فيها تعب الليل على تعب النهار السابق، يتلوه تعب اليوم اللاحق، يوم العيد.
يوم عيد الأضحى عند عامة المسلمين هو يوم راحة وبشر وأكل وشرب وتزاور وتهان. ولكن الحجاج في هذا اليوم يكونون في سباق. سباق دنيوي، لإنجاز واجباتهم الكثيرة في هذا اليوم، وسباق أخروي لضمان حجتهم ونيل جائزتهم. إنه يوم "الزحمة الكبرى" ويوم "السرعة القصوى".
في هذا اليوم لم أفكر لا في العالم الإسلامي البعيد عني، ولا في العالم الإسلامي القريب مني، كنت أفكر في معركة الرمي وكيف النجاة منها، وفي معضلة الذهاب إلى الحرم والعودة منه إلى منى، وفي زحمة الطواف والسعي، وفي أسرع الطرق للتحلل من الإحرام والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية.
كان هذا اليوم من الأيام النادرة التي لم أفكر فيها، لا في فلسطين ولا في العراق، ولا في غيرهما من الشؤون التي طالما أدمنت الاشتغال بها، باستثناء بعض الأدعية في الطواف والسعي.
في الليل زارني أحد الأصدقاء من أهل مكة، لم تمض إلا دقائق حتى بادرته بالسؤال: أنت في بيتك تسمع وترى، فماذا في الأخبار؟ جاء جوابه مباشرا وسريعا: إعدام صدام، لقد أعدموه صباح هذا اليوم، صباح العيد.
وبينما أطرقت هنيهة أمتص هذه الصدمة، تابع صديقي العزيز يحكي اللقطات الخاطفة والأخبار المقتضبة التي تمت إذاعتها عن إعدام صدام حسين. وختم بقوله: لقد أثبتوا أنهم صفويون حاقدون.
قلت: يبدو لي أن الله أراد بصدام خيرا وأراد بهم سوءا، ولا يظلم ربك أحدا. فقيامهم بقتل الرجل يوم العيد هو خذلان من الله لهم، هو فضيحة وخزي لمن قام بهذا العمل الشنيع ولمن وافق عليه. إنها همجية سوداء لا مثيل لها في انحطاطها وخستها.

"صدام حسين قتل لأجل حسناته لا لأجل سيئاته، ولذلك فقتله ظلم خالص وعدوان صارخ"منذ بضع سنوات كنت أعتقد -وأنا محق- أن صدام حسين هو أحد كبار المجرمين والطغاة في تاريخ الأمة الإسلامية، وكنت -وما زلت- حين أستعرض أمثاله، لا أكاد أجد غير الحجاج بن يوسف الثقفي أضعه بجانب صدام.
ولو قيل لي يومها إن عددا من الحكام العرب سيدخلون جهنم، لما خطر ببالي إلا أن صدام حسين هو أولهم وأولاهم.
منذ الحرب الأميركية على العراق، بدأت أرى أقدار الله تعالى في صدام، تسير في الاتجاه الآخر. فمنذ الاحتلال الأميركي للعراق وحالة صدام حسين تسير من حسن إلى أحسن، إلى أن عرفت نهايتها السعيدة، صبيحة عيد الأضحى المبارك. وأنا هنا لا أتحدث بمعايير سياسية وضعية دنيوية، وإنما أتحدث بمعايير دينية شرعية أخروية.
1. لقد كانت هزيمة صدام خيرا له، إذ أخرجته من سلطانه الذي كان يتجبر به و يتجبر لأجله، وبذلك تخلص الرجل من مصدر شروره وآفاته ومظالمه. ولو كان انتصر واستمر في الحكم لكانت له فيه صولات وجولات ومظالم وآثام، ولكن الله تعالى أخرجه من الحكم ومن تبعاته، وآل ذلك كله إلى غيره.
2. لقد كان من الممكن ومن المحتمل جدا أن يقتل الرجل في هذه الحرب، وخاصة بعد هزيمته، كما كان من المحتمل -ومن المعتاد في مثل هذه الظروف- أن ينتحر للتخلص من مرارة الذل والمهانة، ولكن الله لطف به فلم ينتحر ولم يقتل ولم يمت.
وأمد الله في عمره وأعطاه فرصة طويلة ليتوب ويصلح من حاله ويستعد للقاء ربه، وقد ثبت أنه منذ الإطاحة به واعتقاله، وهو عاكف على تلاوة القرآن وعلى الذكر والصلاة.
3. في الوقت الذي توقفت فيه مظالمه، تعرض هو لمظالم كثيرة وكبيرة. وإذا كان المسلم -وكل إنسان سوي- لا يحب أن يكون لا ظالما ولا مظلوما، فإن من مصلحة الإنسان أن يلقى الله مظلوما غير ظالم. وصدام حسين ذهب إلى ربه مظلوما غير متلبس بظلم أحد. والظلم يكفر عن المظلوم خطاياه التي تلقى على ظالمه.
4. لقد ظلم الرجل وأهين منذ لحظة اعتقاله إلى لحظة قتله. ويكفينا من ذلك ما رآه الناس وسمعوه على شاشات التلفزيون عبر العالم كله. وما خفي أعظم وأظلم.
5. وإذا كان بعض بني جلدته قد قتلوه ثأرا وانتقاما وتشفيا، فإنهم إنما قتلوه بالوكالة، بينما القتلة الحقيقيون ترفعوا عن قتله بأنفسهم ما داموا يجدون من ينفذ المهمة القذرة.

وإذا كان الأميركيون هم القتلة الحقيقيون، فيستحيل أن يكونوا قتلوه لأجل "الشعب العراقي"، بل يستحيل أن يزيحوه أو ينشغلوا به لحظة واحدة لأجل العراق والعراقيين.
بعبارة أخرى، فصدام حسين لم يقتل بسبب الدجيل أو بسبب الأنفال أو بسبب حلبجة، وإنما قتل بسبب معاكسته للأميركيين والصهاينة وعدم خضوعه لهم، وتجاوزه لخطوطهم الحمراء. بكلمة واحدة: إن صدام حسين قتل لأجل حسناته لا لأجل سيئاته. ولذلك فقتله إنما هو ظلم خالص وعدوان صارخ.
6. نهاية صدام التي وصفتها بالسعيدة، تتجلى في كونه ختم حياته بكلمة (أشهد أن لا إله إلا الله)، وقد جاء في الحديث النبوي الصحيح "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". لقد جاءت هذه الكلمة الجليلة على لسانه في آخر لحظة من حياته، وبتمامها انقطع نفسه الأخير.
"عند إعدام صدام حسين رحمه الله كان يصرخ به بعض الجهلة "إلى جهنم"، وهو إن شاء الله "إلى الجنة" كما دلت على ذلك القرائن والأدلة"ولعل صدام حسين هو الوحيد الذي يشهد له العالم كله بهذا. فالعالم كله شاهده وسمعه يموت وهو يقول بملء فيه: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وهذا من فضل الله عليه، ومن خذلانه لمن قتلوه.
7. ومن القواعد الاعتقادية في الإسلام أن "الأمور بخواتيمها". وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "... فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها."
وفي محكم التنزيل ومسك الختام، يقول المولى عزوجل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
ومن هنا ندرك فداحة ما كان يصرخ به بعض الجهلة، عند إعدام صدام حسين رحمه الله، حين خاطبوه بقولهم: "إلى جهنم"، وهو إن شاء الله "إلى الجنة"، كما دلت على ذلك القرائن والأدلة. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).


الجزيرة