الثلاثاء، ٧ ذو القعدة ١٤٢٧ هـ

حكاية الزاهي المرعوب




لا حول ولا قوة بالله ..صرخت ،وأنا أضرب كفا بكف عندما رأيتُ "الزاهي التومي"من نافذتي
وهو يجري في الشارع كالمجنون حاملا بين ذراعيه إحدى كريماته التي لم يتجاوز سنها الثلاث سنوات:وهو يصيح :
"إلى الملاجيء ،إلى الملاجيء:الإسرائيليون قادمون!!

فمنذ بداية الحرب في الجنوب اللبناني:لم يعد "الزاهي التومي"الرجل الذي نعرفه!!
فبعد أن تسمر طيلة اليوم الأول للحرب أمام قناة "الجزيرة"،جمع فجأة كل أفراد عائلته المؤلفة من زوجته "هنية"
وابنه "حسن"وابنتيه "مريم "و "خديجة"وأعلمهم بأنه قرر الهروب من حي الغلابة إلى مكان آمن خوفا من القصف الإسرائيلي!!
ولما جادلته الخالة "هنية"زوجته بأنهم في شمال إفريقيا،وهم بعيدون جدا عن مرمى نيران العدو،قهقه بطريقة هستيرية ورد عليها بكل حزم:
-يا ولية إسرائيل ذراعها طويلة وقادرة أن تصل إلى الجميع في أي مكان!!وأنا مسؤول عنكم ويجب أن أقيكم من الخطر الداهم !!"

ولم يتردد "الزاهي" طويلا..
اشترى كميات كبيرة من الحليب والخضروات واللحوم المجمدة..
وقام بتلوين كل المصابيح الكهربائية باللون الأزرق لتضليل الطائرات كما ادعى..
بل إنه عبث بلافتة البلدية التي تشير إلى حي الغلابة وكتب "مرحبا بكم في "الكنغو"حتى تخطيء
الطائرات هدفها فتلقي قنابلها في مجاهل إفريقيا !!
وتقدم بقضية استعجالية أمام المحكة لتغيير إسم ابنه "حسن" ب"جورج"حتى لا يظن الإسرائيليون أنه من أنصار حسن نصر الله!!وحتى لا يصيبونه بأذىوهو ابنه الوحيد..
وبعث برقية عاجلة لوسائل الإعلام يعلن فيها أنه وكل سكان حي الغلابة ضد "مغامرة"المدعو حسن نصر الله،وأنه يؤيد الحلول السلمية حتى لو استولت إسرائيل على كل الأراضي العربية ،فالإسرائيليون يهود وهم أبناء عمنا ،كتب في برقيته، وأن يحكمنا أبناء عمنا خير من أن يحكمنا الشيوعيون الملاحدة او الإيرانيون المبتدعون!!

وباستعار رحى الحرب ،تطورت حالة "الزاهي التومي"نحو الأسوأ
أصبح صاحبنا يتبول في الفراش..
وتحاصره الكوابيس المزعجة التي تحرمه من النوم :فيخرج إلى الشارع حافيا ،أشعث الشعر وهو يشير إلى السماء:طائرات ،طائرات!!
وألزم كل أفراد عائلته بعدم الخروج إلى الشارع أوالإقتراب من مواقع حزب الله!!ولما انفجر أبنه حسن في وجهه صارخا:-هل ترى هنا مواقع لحزب الله يا أبي؟،وضع يده الغليظة على قمه وأخذه إلى ركن قصي من المنزل وهمس له:
"ومن أدراك أنه لا توجد مواقع لهذا الحزب في حينا ،؟يجب أن نكون حذرين يا بني!!""

ويوم قررت الحكومة الحداد وتأجيل كل مظاهر الفرح والإحتفالات،أصر صاحبنا أن يقيم حفلا صاخبا فوق سطح منزله
"حتى يقتنع أولمرت وكل القوى العظمى انني لستُ ضد إسرائيل"أجابني عندما استنكرتُ ما فعله !! ،قبل أن يضيف"إسرائيل تعرف عنا كل شيء ،عندها أقمار صناعية متطورة،وجواسيس محترفون،ويجب أن نكون فطنين.."
وبعد أن أخذ نفسا مضطربا من سيجارته الرخيصة وهو لا يكف عن النظر إلى السماء،واصل:
"إسرائيل قوية يا صاحبي،إسرائيل خطيرة ،إنها قادرة أن تحيل حياتنا جحيما وأن تيتم أطفالنا وأن ترمل نساءنا
وان تدمر كل ما بنيناه ،ولذلك نحن مجبرون على مهادنتها وتجنب إغضابها!!""
قال ذلك قبل أن يجري بعيدا وهو يصرخ في المارة:إلى بيوتكم ،إلى بيوتكم،طائرات،طائرات!!"

اليوم صادف أن حلقت طائرة هيلوكبتر صغيرة لرش المبيدات الحشرية ،فوق حي الغلابة ،وبعد أن أدت مهمتها وعادت من حيث اتت،وجدوا "الزاهي التومي" محشورا في إحدى حاويات الفواضل التي وضعتها البلدية وقد فعلها في سراويله!!ولم يقتنع أنه ما يزال على قيد الحياة إلا عندما رأى زوجته "هنية" ..التي كان يقول عنها دائما إن الله أرحم من أن يجمع بينه وبينها دنيا وآخرة
!!

السبت، ٤ ذو القعدة ١٤٢٧ هـ

عن القيود



ما أقسى أن يكون القيد داخل الروح!!
ما أقسى أن نشعر به حارسا ،خشنا متوحشا يحصي علينا أنفاسنا!!
ما أقسى أن نعيش مع القيد ويعيش فينا!!
هذا القيد يحجب عنا!!الضوء!!وزرقة السماء!!
يحرمنا أن نحلق بعيدا..
ألا متى يزول القيد ويموت الجلاد

الثلاثاء، ٣٠ شوال ١٤٢٧ هـ

صباح الحزن



صباح الخير أيها الحزن!!

.تدق على باب غرفة نومي

تدخل بدون استئذان!!

تنزع عني الغطاء بلطف!

!أترشفك مع قهوتي الصباحية

تمتزج مع دخان سيجارتي!!

أصطحبك معي إلى كل مكان

وعندما أعود إلى بيتي

!!أجدك قد سبقتني إليها !!

تسقي شجيرات الحديقة
وتتعهد أصص الزهور!!
وتلاعب ابنتي الصغرى!!
وعندما أفتح جريدتي
اجدك متواريا بين السطور!!
مبثوثا بين الكلمات!!
وعندما أقرر أن انام !!
تتسلل إلى فراشي
وتكون حلمي الليلي!!.



الاثنين، ٢٩ شوال ١٤٢٧ هـ

من انت ؟


من أنت !!كم أقف عاجزا حائرا أمام هذا السؤال /الإشكالية!!***من أنا !!لطالما طرحت على نفسي هذا السؤال !!لطالما طرحه علي الآخرون!!وسأكون أسعد الناس يوم أعرف من أنا!!ولا أظن أن ذلك سيحصل قريبا!!فكل يوم يمر يجعلني في تناقض تام مع هذه "الأنا" التي تتبعني في كل مكان !!ولا سبيل للخلاص منها!!***من هو الطيب الجوادي؟إذا كنتم تنتظرون جوابا "رسميا"فالأمر هين جدا،ولكن أحذركم من الآن أن الطيب الجوادي كما هو في أوراقه الثبوتية وفي جواز السفر ،ليس انا !! ولا يمت لي بصلة!!الطيب الجوادي المسجل في دفاتر الدولة:تجاوز الأربعين من العمر ،يشتغل بالتدريس،متزوج من مدرسة،طوله متروثلاثة وسبعون سنتيمترا،شعره مجعد ،وعيناه بنيتان!!مواطن صالح بمقاييس حكومتنا الر شيدة!!راض بكل شيء ويدفع الضرائب بانتظام ،لا يعترض ولا يثور ،يؤمن بالحوار بين الشعوب الشقيقة والصديقة!!يحب أمه وأباه ويسلم على جيرانه كل صباح !!يكذب أحيانا ويصدق أحيانا ،يحب ويكره !!وقد يبكي أحيانا في وحدته،لا علاقة له بكل ما يحصل في البلد !!من سياسة أو صحافة أو حركة ثقافية!!أو اي أمور أخرى!!فالقطيعة تامة بينه وبين ما يقع خارج أسوار بيته!!زوجته هي صديقه الوحيد في الحياة ،وهي قارءته الأولى ،ورفيقته الدائمة ومرآته التي يرى فيها نفسه!!هذا هو الطيب الجوادي "الرسمي"،الطيب الجوادي من الخارج!!كما يراه الآخرون!!الطيب الجوادي الذي تفصله عني ،سنوات ضوئية!!عائد بعد قليل لأحدثكم عن الوجه الآخر!!


الطيب الآخر ،الطيب الحقيقي،الطيب الذي لا يعرفه أحد!!كائن معذب الوعي،مليء بالدموع!!رجل ينوء بكل أحزان الدنيا !!قلق وكأنه يركب الريح!!يؤلمه حد الإنسحاق ما يحصل في فلسطين وفي العراق ،وما يحصل ضد الأحرار في البلدان العربية من قهر وقمع!!ولكنه رجل جبان إلى درجة أنه يتألم في صمت،ويثور في صمت،وكل ما يفعله احتجاجا على الظلم ،أنه عزل نفسه في بيته لا يبرحه أبدا إلا للريف المحيط بالعاصمة ،رفقة زوجته!!حيث يقضيان ساعات طويلة بين أحضان الطبيعة!!في داخل هذا الكائن ،مسجد !!فالله حاضر في ذهنه وروحه كل الوقت!!ولا يغيب الموت عن تفكيره أبدا!!مع أنه مقصر جدا في عباداته إلى درجة تشعره على الدوام بعقدة الذنب!!وكم هو متناقض هذا الطيب الجوادي!!دموعه قريبة جدا،وثورته إن ثار تقتلع كل شيء وتحطم كل شي!!ساخر في الحياة وحينما يكتب!!يضحك الثكلى !!بنكته وقفشاته !!وسخريته المرة السوداء من كل شيء حتى من نفسه!!لا أصدقاء له في الحياة ،باستثناء زوجته،وقد عوض الله عليه بأصدقاء المنتديات وهم كثيرون ،بعضهم يخاطبه في الهاتف وبعضهم زاره في تونس!!
عشقه الأبدي:القراءة،والموسيقى والجلوس بين أحضان الطبيعة الخلابة

الأحد، ٢١ شوال ١٤٢٧ هـ

هرووووووووووب

هارب من تفاصيل العمر!!
هارب من وجهي في المرآة!!
هارب من سؤال طفل شقي...!!يسأل ،ولا قدرة لي على الجواب!!
هارب من الصمت الذي يلف المدينة!!
هارب من الخوف المبثوث في كل الحواري والأزقة...والعيون الحزينة!!
هارب من العسس والحواجز،وسكارى آخر الليل!!
هارب مني!!
هارب من عاداتي القديمة!!
من شبقي ومن حزني!!.......................ومن عجزي!!
هارب من الوظيفة،ومن الملاليم التي لا تغني!!
هارب من عيون الحكومة،وعصا الحكومة..................وجبني!!
هارب من الأناشيد ،والسلام الوطني،ومن حراس الفضيلة!!
هارب من كل التفاصيل !!ومن تفاصيل التفاصيل!!
هارب مني،ومني ،ومنك ،ومنا!!
ومن لا شيء ومن كل شيء....
.هارب من بعضي ومن كلي!!
هارب من السؤال ،ومن جواب السؤال ،!!
هارب مني،
!!وهارب مني

هكذا تحدث حماري1


ابتدرني حماري ذات مرةعلى غير عادته بالحديث بعدان لاحظ وجومي وصمتي الطويلين:
-"مالي أراك تُطيل الصمت..ولا تكاد..تنبس ببنت..شفة على غير عادتك.."
صمت قليلا..وبعد أن جذب نفسا طويلا من سيجاره الكوبي..وترشف..رشفات..متتابعة من
قهوته..المرّة..أضاف:
-هل أصبحت حمارا بدورك..؟ ولما لمح انزعاجي من نكتته البائخة..أسرع يُوضح..:
-"لا مؤاخذة..ولكنكم معشر البشر..تنعتون الصامتين الصابرين المعرضين..عن الجدل العقيم..
..ومتاع الدنيا..وبريقها..بالأحمرة..
قاطعته بإشارة من يدي..
-أرجوك..ارجوك..لستٌ..مستعدا اليوم..لفلسفتك البالية..فأنا اليوم مشغول..بموضوع أكثر أهمية وخطورة..
اعتدل صاحبي في جلسته..وأشعل لنفسه سيجارا..وأشعل لي مثله..ثم سألني:
-وما هو هذا الموضوع الخطير الذي يشغل بالك إلى هذا الحدّ..؟
أجبته..ضجرا.. وقد بدأ صبري ينفد..
-لالا..هذا موضوع خطير..يعني..يعني ليس من اختصاص..فصيلتك..الموقرة..
رفس صاحبي الأرض بحافريه..الثقيلين..وهي علامة غضب يستعيض بها عن حمرة واحتقان الوجه عندنا
معشر الآدميين وألقى بسيجاره الكوبي بعيدا قبل أن يبادرني غاضبا..
-طيّب..هكذا إذن..لم أعد منذ اليوم..حكيمك وفيلسوفك المفضل الذي..تغترف الحكمة..منه..
ليس مُهما على كل حال..ستكون الخاسر الأكبر..
--لالالا..ليس قصدي..-قلت له مستعطفا-..أنا منشغل يا صاحبي..بقضية..أحالت حياتنا جحيما..
متصلا..وظلاما لا آخر له..انا ياصاحبي لا أفهم..لماذا يُصر..ولاة أمورنا..ان يتفردوا بالأمر كله..
فلا يستشيرون..العُدول..وأصحاب النظر السديد..والضمائر الحية .ممن تهمهم مصلحة البلاد والعباد..
.فلا تراهم يُحيطون أنفسهم إلا بطلاب الدنيا..وصحبة السوء..وذوي الضمائر الميتة..الذين لا غاية لهم إلا إرضاء..جيوبهم وطموحاتهم ..فلا تطرف لهم عين ولا يصحو لهم ضمير..وهم يرون الوطن..كله
ينحدر إلى الهاوية..ويضيق به أبناؤه..ويتحول سجنا للعقول والضمائر..ويستشري فيه الفساد..
وتُنتهك الأعراض..ويسوء حال الناس..فيدفعهم اليأس..إلى حمل السلاح..وتهديد الأمن..
مما يُعرض البلد كله إلى أخطار لا يعلم نهايتها إلا الله..
بدا على حماري..الإهتمام الشديد..حتى أنه ..لم ينتبه لمرور أتان مليحة بالقرب منه..
كرع بعض الكولا من سطل أمامه..قبل أن يُجيبني :
-لأن الملوك ..ومن يقف على بابهم..يا صديقي..طلاب دنيا..السلطان..عندهم غاية..
وليس وسيلة..همهم إشباع غرائزهم..وتحصيل المنافع لهم ولعشيرتهم..ولذلك تراهم ..يوم..النفير..
أول من يفر بجلده..بعد أن يكونوا قد نهبوا كل نفيس..ليفوزوا بحياة رغدة خارج الحدود..
صمت قليلا..ليحك جبهته العريضة..قبل أن يُضيف..
-وهم يا صاحبي لا يحيطون أنفسهم بالمُصلحين الديّينين..لأنهم أحوج لمن يحبب إليهم دنياهم ويفتي لهم..
بأن ما يفعلونه ..مصلحة وطنية..ولا يخرج على حدود الدين..
سألته وقد نفد صبري..
-وما الحل ..أيها الحكيم ؟
-أن يبادر..المصلحون..اصحاب الضمائر الحية..إلى قول كلمة الحقّ..والدفاع عنها إلى آخر رمق..ودفع الثمن المستحق لذلك مهما كان غاليا.ولو كان فيه التضحية بالنفس والنفيس.....فهم سيُسألون يوم القيامة عن سكوتهم عن الظلم..ورضاهم..بموادعة الظالمين..فالساكت عن الحق شيطان أخرس..ولا بد للحق من رجال
يُدافعون عنه..ولا بد..لإستقامة أُمور الناس..من عالم ..لا تلين له قناة..فيردّ الظالمين عن ظلمهم والفاسقين
عن فسقهم والطغاة عن طغيانهم..
قلت لحماري..
-وهل مثل هؤلاء..موجودون في أرضنا يا صاحبي..
أجابني..
-هم موجودون ..لا تخلو منهم أمة..ولا زمن..ولكن قلوبهم واجفة..والحق ملتبس في عقولهم بالباطل..
كثير منهم أبطرهم النعيم..وأفسدهم طلب الآجلة..وإذا لم يبادروا..إلى اصلاح ما انهدم..ووقفوا في وجه الطغاة وقفة رجل واحد..ربما ضاعت الأمانة..وعم الخراب..
لك الله يا حماري الحكيم..لقد أفزعتني..
فهل نعي يوما..كلمات هذا الحمار الناصح ؟

أين اختفى الحسن فوبيا


"أين يختفي الحسن فوبيا ؟"
إنه السؤال الأكثر ترددا على أفواه متساكني الضاحية الجنوبية للعاصمة ،بدء بحي الغلابة ومرورا بحي التضامن
وحتى تخوم حي النصر ،حي الأغنياء وسراة القوم !!

لم يعثر للرجل على أثر منذ ما يزيد عن خمسة اسابيع بالتمام والكمال !!وقدانشغل الناس بغيابه وساهم الجميع في البحث عنه بكل الوسائل المتاحة حتى أن عباس العياري تاجر الخردة وأغنى أغنياء حي الغلابة فكر في الإتصال بالسفارة الأميريكية للبحث عنه من خلال الأقمار الصناعية في بغداد أو إحدى المدن العراقية الأخرى لأنه يشك أن الحسن فوبيا ذهب هناك لمساندة العرب السنة ضد خصومهم وأعلن أنه مستعد أن يهب الأمريكيين ثورين سمينين لو مكنوه من قمر صناعي يساعده في البحث عن الحسن !! !!ولكن الخالة "دوجة" تصر أن الذي اختطف الحسن ليس إلا "جني كافر "ترصده قبيل صلاة الفجر وأخذه معه إلى مملكة العفاريت لأنه داس على الرماد دون أن يُبسمل "!!ويقسم صالح المليان انه انضم لطالبان وانه مسؤول عن اختطاف الرهائن الأجانب في كشمير !!أما زوجته أم
علي فمتأكدة أنه فرّ مع رومية شقراء إلى بلاد العجم بعد أن سئم جسدها المنتفخ مثل بالون من الدم كما كان يصفها!!

أما أنا وابو عبدة الجزار وأبو كمال الحلاق فلم نحفل بحيرة الناس ولم نشاركهم البحث عن الحسن وكنا نسخر بيننا وبين أنفسنا مما يدعونه من ترهات لتبرير اختفائه!!والسبب أننا نعرف أين يوجد الحسن فوبيا !!:إنه يقيم في دهليز مهجور في أقصى الحديقة الشاسعة التي تحيط بمنزل "أبو عبدة "!!

فالحسن فوبيا وهي تسمية أطلقها عليه علي التازي فيلسوف حي الغلابة رجل يخشى المخبرين والأجهزة الأمنية أكثر من خشيته من الموت ،ويعتقد أن جميع الناس من حوله مخبرون !!كما يعتقد أن كل العيون تترصد حركاته وأن هاتفه يخضع للتصنت ،ويرى في كل غريب يمر بالحي جاسوسا جاء ليتنسم أخباره ويجمع عنه معلومات لوزارة الداخلية !! مع ان الحسن فوبيا ليس عضوا في أي حزب او منظمة سياسية أو ثقافية أو حتى رياضية ولم يشارك في أي مظاهرة أو احتجاج ضد الحكومة طيلة حياته حتى أثناء ثورة الخبز الشهيرة التي خرج فيها الجميع إلى الشارع !!ولم يعرف عنه أنه انتقد الحكومة الرشيدة في السر أو العلن وحتى بينه وبين نفسه كما يصر على التأكيد –مُخلصا-في كل مناسبة !!بل إنه لم يضيع أي خطاب أو حوار تلفزي لأصحاب الشأن بل وكان يحفظ على ظهر قلب كل الخطب التي كانوا يلقونها في كل المناسبات !!

ومع ذلك يعذبه ويطارده على الدوام شعور ممضّ قاس بأنه لا يفعل ما يكفي لينال الرضاء التام عنه من أصحاب النفوذ ويعتقد جازما أن أجهزة الأمن وكوادر الحزب والمخبرون عامة يشكّون في ولائه ويضغونة في لائحة سوداء للإرهابيين المحتملين !!


"هل تثق بأحد هنا ياالحسن " أسأله "أنا لا أثق بأحد يقول لي وأنا متأكد أن حينا مليء بالمخبرين وإذا لم نحتط منهم فسيضعون الأغلال في أيدينا اليوم أوغدا وسيذيقوننا عندها ألوان العذاب ولن ينفعنا الندم "

وقد فعل الحسن كل شيء لينال ثقة رجال الحكومة أو من يعتقد أنهم كذلك...

علق صورة السلطان وحرمه وأبنائه بحجم كبير في قاعة الجلوس وكذلك صور كل أعضاء الحكومة وصورة المحافظ وكذا صورة رئيس المخفر والمسؤول المحلي للحزب الحاكم وصور بعض المخبرين المنتفذين في حي الغلابة!! ولمزيد الطمانينة أضاف صور بوش وكوفي عنان وعمرو موسى وكم حزن لأنه لم يعثر على صورة للأمين العام المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي !! كما غطى كل جدران منزله الداخلية بيافطات ضخمة كتب عليها فقرات مطولة من خطب السلطان ومساعديه !!وأقام وليمة فخمة لكل من يعتقد أن له نفوذا ما ليطلعه على مدى ولائه وتعلقه بالعائلة الملكية..

ولم يكن يتردد في أرسال برقيات التهاني والتأييد المطلق في كل مناسبة دينية أو رسمية أو عابرة مثل عيد الشجرة واليوم العالمي للمسرح !!
بل إنه حمل بندقية الصيد القديمة التي ورثها عن جده وتقدم إلى أحد مراكز التعبئة التابعة للجيش معلنا عن رغبته في التطوع للدفاع عن الوطن ضد الإحتلال الفرنسي!!ولما أعلموه أن الفرنسيين خرجوا من البلاد منذ خمسين سنة
أبدى أسفه الشديد واصرّ أن يأخذوا عنوانه للإستعانة بخدماته لو تعرض الوطن إلي مكروه !!
وكان يخبر كل من يعتقد أن له صلة ما بالحكومة أو بأتباعها أنه يساند الحكومة الرشيدة وأنه مستعد أن يُضحي بالنفس والنفيس من أجل نصرتها ثم يتلو على مخاطبه مقاطع من خطب السلطان وقد يتغنى بمقاطع من النشيد الرسمي إذا شعر أن محدثه يشك في درجة ولائه أو له نفوذ أكثر مما كان يقدّر!!

ولكن مأساة الحسن أنه ظل يشعر في أعماقة أن ما يفعله ليس كافيا بالقدر الذي يقنع أصحاب النفوذ بصدق ولائه!!مما كان يضاعف خوفه من المجهول ويزيد من احتياطاته "الأمنية "

فقطع خطيه الهاتفين الثابت والمحمول..عندما علم أنهما مصدران محتملان للتجسس عليه..
وتخلص من جهاز الإستقبال الرقمي خشية اتهامه بأنه يتابع القنوات المناوئة للحكومة !!
وعندما أعلمه سالم النبيه جاره نصف الأحمق أن الإرهابي يكون عادة ذا لحية كثة ويواظب على الصلاة في المسجد
حلق لحيته وترك الصلاة نهائيا..وأعلن انه ليبرالي وعلماني وأنه ضد تعدد الزوجات ومع المساواة في الإرث وضد
الدولة الدينية بكل اشكالها
ولما مازحه أبو خليل الزامل مدعيا أن الحكومة قد تسجن أيضا من ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان راح يُقسم
للجميع أنه لا يؤمن بالتداول على السلطة وأنه من معارضي حرية الصحافة قبل أن يُضيف واثقا "أصلا الديمقراطية دي دخيلة علينا ولا نصلح لها ولا تصلح لنا !!"

ولكن كل الإحتياطات ومبادرات حسن النية لم تجلب للرجل أي قدر من الطمأنينة وراحة البال !!فشكوكه ظلت تزداد استعارا بمرور الأيام ولم يعد يشك لحظة في أنه مراقب من جهة ما وأن حي الغلابة مليء حقا بالمخبرين في كل ركن وفي كل زاوية!! فلم يعد يفتح فمه بكلمة وامتنع تماما عن زيارة الأماكن العامة أو المشاركة في أي جدل أو حوار مهما كان موضوعه!!
أصبح شعارة :"لا أسمع لا أرى لا أتكلم "وحين كنتُ أحاول جاهدا ان أطمئنه صارحني بأنني أنا نفسي صديق عمره ورفيق صباه جاسوس محتمل !!وأبلغني أنه لم يعد يثق حتى في أم أولاده وأبنائه :"ومن أدراني أن وزارة الداخلية لم تغرهم بالمال لقاء التجسس علي "!!يقول لي هامسا بعد ان يتأكد من خلو الشارع
ثم يضيف :"هل لك حجة واحدة تقنعني أن جيراني ليسوا جواسيس ؟وهل لديك ما ينفي أن المارين في الشارع وأقاربي وأصدقائي ليسوا مخبرين ؟"
قبل أن يختم قائلا :
"أنتم لا تصدقونني ،لكنني متأكد ان تحت كل حجر وفي كل زاوية وداخل كل بيت هناك مخبر يُحصي علينا أنفاسنا وينتظر أن نتفوه بكلمة ضد الحكومة وأو ناتي بأي حركة غير ودية تجاهها لينقض علينا لندفن أحياء في السجون المظلمة "

ولم أجد وابو عبدة أي حل لإعادة الطمانينة للرجل..
بل أن أبا عبدة نفسه أصبح يميل لتصديق هواجس الحسن فوبيا بعد أن نفذت أجهزة الأمن عملية كبيرة لإعتقال متهمين مزعومين بالإرهاب،عمليةأفقدت صاحبنا الحسن صوابه نهائيا وجعلته يسد نوافذ سكناه بالآجر وانقطع عن الخروج من بيته أثناء النهار وحتى إذا اضطره أمر ما لترك منزله فقد كان يخرج متنكرا في زي إمرأة حتى لا يتعرف عليه أحد !!

وأخيرا وبعد أن صارح أبا عبدة بأنه إن لم يتمكن من الهجرة إلى بلد أوروبي فسيضع حدا لحياته لم نجد من حل لمساعدته إلا أن نهييء الدهليز المهجور في حديقة منزل أبي عبدة ليقيم فيه لبعض الوقت حتى نجد حلا ملائما..

لم أزر الحسن فوبيا في دهليزه منذ صاحبته إليه في اليوم الأول..
فأنا أيضا بدات أشك أنه جاسوس محتمل !!