الأحد، ٢١ شوال ١٤٢٧ هـ

أين اختفى الحسن فوبيا


"أين يختفي الحسن فوبيا ؟"
إنه السؤال الأكثر ترددا على أفواه متساكني الضاحية الجنوبية للعاصمة ،بدء بحي الغلابة ومرورا بحي التضامن
وحتى تخوم حي النصر ،حي الأغنياء وسراة القوم !!

لم يعثر للرجل على أثر منذ ما يزيد عن خمسة اسابيع بالتمام والكمال !!وقدانشغل الناس بغيابه وساهم الجميع في البحث عنه بكل الوسائل المتاحة حتى أن عباس العياري تاجر الخردة وأغنى أغنياء حي الغلابة فكر في الإتصال بالسفارة الأميريكية للبحث عنه من خلال الأقمار الصناعية في بغداد أو إحدى المدن العراقية الأخرى لأنه يشك أن الحسن فوبيا ذهب هناك لمساندة العرب السنة ضد خصومهم وأعلن أنه مستعد أن يهب الأمريكيين ثورين سمينين لو مكنوه من قمر صناعي يساعده في البحث عن الحسن !! !!ولكن الخالة "دوجة" تصر أن الذي اختطف الحسن ليس إلا "جني كافر "ترصده قبيل صلاة الفجر وأخذه معه إلى مملكة العفاريت لأنه داس على الرماد دون أن يُبسمل "!!ويقسم صالح المليان انه انضم لطالبان وانه مسؤول عن اختطاف الرهائن الأجانب في كشمير !!أما زوجته أم
علي فمتأكدة أنه فرّ مع رومية شقراء إلى بلاد العجم بعد أن سئم جسدها المنتفخ مثل بالون من الدم كما كان يصفها!!

أما أنا وابو عبدة الجزار وأبو كمال الحلاق فلم نحفل بحيرة الناس ولم نشاركهم البحث عن الحسن وكنا نسخر بيننا وبين أنفسنا مما يدعونه من ترهات لتبرير اختفائه!!والسبب أننا نعرف أين يوجد الحسن فوبيا !!:إنه يقيم في دهليز مهجور في أقصى الحديقة الشاسعة التي تحيط بمنزل "أبو عبدة "!!

فالحسن فوبيا وهي تسمية أطلقها عليه علي التازي فيلسوف حي الغلابة رجل يخشى المخبرين والأجهزة الأمنية أكثر من خشيته من الموت ،ويعتقد أن جميع الناس من حوله مخبرون !!كما يعتقد أن كل العيون تترصد حركاته وأن هاتفه يخضع للتصنت ،ويرى في كل غريب يمر بالحي جاسوسا جاء ليتنسم أخباره ويجمع عنه معلومات لوزارة الداخلية !! مع ان الحسن فوبيا ليس عضوا في أي حزب او منظمة سياسية أو ثقافية أو حتى رياضية ولم يشارك في أي مظاهرة أو احتجاج ضد الحكومة طيلة حياته حتى أثناء ثورة الخبز الشهيرة التي خرج فيها الجميع إلى الشارع !!ولم يعرف عنه أنه انتقد الحكومة الرشيدة في السر أو العلن وحتى بينه وبين نفسه كما يصر على التأكيد –مُخلصا-في كل مناسبة !!بل إنه لم يضيع أي خطاب أو حوار تلفزي لأصحاب الشأن بل وكان يحفظ على ظهر قلب كل الخطب التي كانوا يلقونها في كل المناسبات !!

ومع ذلك يعذبه ويطارده على الدوام شعور ممضّ قاس بأنه لا يفعل ما يكفي لينال الرضاء التام عنه من أصحاب النفوذ ويعتقد جازما أن أجهزة الأمن وكوادر الحزب والمخبرون عامة يشكّون في ولائه ويضغونة في لائحة سوداء للإرهابيين المحتملين !!


"هل تثق بأحد هنا ياالحسن " أسأله "أنا لا أثق بأحد يقول لي وأنا متأكد أن حينا مليء بالمخبرين وإذا لم نحتط منهم فسيضعون الأغلال في أيدينا اليوم أوغدا وسيذيقوننا عندها ألوان العذاب ولن ينفعنا الندم "

وقد فعل الحسن كل شيء لينال ثقة رجال الحكومة أو من يعتقد أنهم كذلك...

علق صورة السلطان وحرمه وأبنائه بحجم كبير في قاعة الجلوس وكذلك صور كل أعضاء الحكومة وصورة المحافظ وكذا صورة رئيس المخفر والمسؤول المحلي للحزب الحاكم وصور بعض المخبرين المنتفذين في حي الغلابة!! ولمزيد الطمانينة أضاف صور بوش وكوفي عنان وعمرو موسى وكم حزن لأنه لم يعثر على صورة للأمين العام المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي !! كما غطى كل جدران منزله الداخلية بيافطات ضخمة كتب عليها فقرات مطولة من خطب السلطان ومساعديه !!وأقام وليمة فخمة لكل من يعتقد أن له نفوذا ما ليطلعه على مدى ولائه وتعلقه بالعائلة الملكية..

ولم يكن يتردد في أرسال برقيات التهاني والتأييد المطلق في كل مناسبة دينية أو رسمية أو عابرة مثل عيد الشجرة واليوم العالمي للمسرح !!
بل إنه حمل بندقية الصيد القديمة التي ورثها عن جده وتقدم إلى أحد مراكز التعبئة التابعة للجيش معلنا عن رغبته في التطوع للدفاع عن الوطن ضد الإحتلال الفرنسي!!ولما أعلموه أن الفرنسيين خرجوا من البلاد منذ خمسين سنة
أبدى أسفه الشديد واصرّ أن يأخذوا عنوانه للإستعانة بخدماته لو تعرض الوطن إلي مكروه !!
وكان يخبر كل من يعتقد أن له صلة ما بالحكومة أو بأتباعها أنه يساند الحكومة الرشيدة وأنه مستعد أن يُضحي بالنفس والنفيس من أجل نصرتها ثم يتلو على مخاطبه مقاطع من خطب السلطان وقد يتغنى بمقاطع من النشيد الرسمي إذا شعر أن محدثه يشك في درجة ولائه أو له نفوذ أكثر مما كان يقدّر!!

ولكن مأساة الحسن أنه ظل يشعر في أعماقة أن ما يفعله ليس كافيا بالقدر الذي يقنع أصحاب النفوذ بصدق ولائه!!مما كان يضاعف خوفه من المجهول ويزيد من احتياطاته "الأمنية "

فقطع خطيه الهاتفين الثابت والمحمول..عندما علم أنهما مصدران محتملان للتجسس عليه..
وتخلص من جهاز الإستقبال الرقمي خشية اتهامه بأنه يتابع القنوات المناوئة للحكومة !!
وعندما أعلمه سالم النبيه جاره نصف الأحمق أن الإرهابي يكون عادة ذا لحية كثة ويواظب على الصلاة في المسجد
حلق لحيته وترك الصلاة نهائيا..وأعلن انه ليبرالي وعلماني وأنه ضد تعدد الزوجات ومع المساواة في الإرث وضد
الدولة الدينية بكل اشكالها
ولما مازحه أبو خليل الزامل مدعيا أن الحكومة قد تسجن أيضا من ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان راح يُقسم
للجميع أنه لا يؤمن بالتداول على السلطة وأنه من معارضي حرية الصحافة قبل أن يُضيف واثقا "أصلا الديمقراطية دي دخيلة علينا ولا نصلح لها ولا تصلح لنا !!"

ولكن كل الإحتياطات ومبادرات حسن النية لم تجلب للرجل أي قدر من الطمأنينة وراحة البال !!فشكوكه ظلت تزداد استعارا بمرور الأيام ولم يعد يشك لحظة في أنه مراقب من جهة ما وأن حي الغلابة مليء حقا بالمخبرين في كل ركن وفي كل زاوية!! فلم يعد يفتح فمه بكلمة وامتنع تماما عن زيارة الأماكن العامة أو المشاركة في أي جدل أو حوار مهما كان موضوعه!!
أصبح شعارة :"لا أسمع لا أرى لا أتكلم "وحين كنتُ أحاول جاهدا ان أطمئنه صارحني بأنني أنا نفسي صديق عمره ورفيق صباه جاسوس محتمل !!وأبلغني أنه لم يعد يثق حتى في أم أولاده وأبنائه :"ومن أدراني أن وزارة الداخلية لم تغرهم بالمال لقاء التجسس علي "!!يقول لي هامسا بعد ان يتأكد من خلو الشارع
ثم يضيف :"هل لك حجة واحدة تقنعني أن جيراني ليسوا جواسيس ؟وهل لديك ما ينفي أن المارين في الشارع وأقاربي وأصدقائي ليسوا مخبرين ؟"
قبل أن يختم قائلا :
"أنتم لا تصدقونني ،لكنني متأكد ان تحت كل حجر وفي كل زاوية وداخل كل بيت هناك مخبر يُحصي علينا أنفاسنا وينتظر أن نتفوه بكلمة ضد الحكومة وأو ناتي بأي حركة غير ودية تجاهها لينقض علينا لندفن أحياء في السجون المظلمة "

ولم أجد وابو عبدة أي حل لإعادة الطمانينة للرجل..
بل أن أبا عبدة نفسه أصبح يميل لتصديق هواجس الحسن فوبيا بعد أن نفذت أجهزة الأمن عملية كبيرة لإعتقال متهمين مزعومين بالإرهاب،عمليةأفقدت صاحبنا الحسن صوابه نهائيا وجعلته يسد نوافذ سكناه بالآجر وانقطع عن الخروج من بيته أثناء النهار وحتى إذا اضطره أمر ما لترك منزله فقد كان يخرج متنكرا في زي إمرأة حتى لا يتعرف عليه أحد !!

وأخيرا وبعد أن صارح أبا عبدة بأنه إن لم يتمكن من الهجرة إلى بلد أوروبي فسيضع حدا لحياته لم نجد من حل لمساعدته إلا أن نهييء الدهليز المهجور في حديقة منزل أبي عبدة ليقيم فيه لبعض الوقت حتى نجد حلا ملائما..

لم أزر الحسن فوبيا في دهليزه منذ صاحبته إليه في اليوم الأول..
فأنا أيضا بدات أشك أنه جاسوس محتمل !!



ليست هناك تعليقات: