الأحد، ٢١ شوال ١٤٢٧ هـ

هكذا تحدث حماري1


ابتدرني حماري ذات مرةعلى غير عادته بالحديث بعدان لاحظ وجومي وصمتي الطويلين:
-"مالي أراك تُطيل الصمت..ولا تكاد..تنبس ببنت..شفة على غير عادتك.."
صمت قليلا..وبعد أن جذب نفسا طويلا من سيجاره الكوبي..وترشف..رشفات..متتابعة من
قهوته..المرّة..أضاف:
-هل أصبحت حمارا بدورك..؟ ولما لمح انزعاجي من نكتته البائخة..أسرع يُوضح..:
-"لا مؤاخذة..ولكنكم معشر البشر..تنعتون الصامتين الصابرين المعرضين..عن الجدل العقيم..
..ومتاع الدنيا..وبريقها..بالأحمرة..
قاطعته بإشارة من يدي..
-أرجوك..ارجوك..لستٌ..مستعدا اليوم..لفلسفتك البالية..فأنا اليوم مشغول..بموضوع أكثر أهمية وخطورة..
اعتدل صاحبي في جلسته..وأشعل لنفسه سيجارا..وأشعل لي مثله..ثم سألني:
-وما هو هذا الموضوع الخطير الذي يشغل بالك إلى هذا الحدّ..؟
أجبته..ضجرا.. وقد بدأ صبري ينفد..
-لالا..هذا موضوع خطير..يعني..يعني ليس من اختصاص..فصيلتك..الموقرة..
رفس صاحبي الأرض بحافريه..الثقيلين..وهي علامة غضب يستعيض بها عن حمرة واحتقان الوجه عندنا
معشر الآدميين وألقى بسيجاره الكوبي بعيدا قبل أن يبادرني غاضبا..
-طيّب..هكذا إذن..لم أعد منذ اليوم..حكيمك وفيلسوفك المفضل الذي..تغترف الحكمة..منه..
ليس مُهما على كل حال..ستكون الخاسر الأكبر..
--لالالا..ليس قصدي..-قلت له مستعطفا-..أنا منشغل يا صاحبي..بقضية..أحالت حياتنا جحيما..
متصلا..وظلاما لا آخر له..انا ياصاحبي لا أفهم..لماذا يُصر..ولاة أمورنا..ان يتفردوا بالأمر كله..
فلا يستشيرون..العُدول..وأصحاب النظر السديد..والضمائر الحية .ممن تهمهم مصلحة البلاد والعباد..
.فلا تراهم يُحيطون أنفسهم إلا بطلاب الدنيا..وصحبة السوء..وذوي الضمائر الميتة..الذين لا غاية لهم إلا إرضاء..جيوبهم وطموحاتهم ..فلا تطرف لهم عين ولا يصحو لهم ضمير..وهم يرون الوطن..كله
ينحدر إلى الهاوية..ويضيق به أبناؤه..ويتحول سجنا للعقول والضمائر..ويستشري فيه الفساد..
وتُنتهك الأعراض..ويسوء حال الناس..فيدفعهم اليأس..إلى حمل السلاح..وتهديد الأمن..
مما يُعرض البلد كله إلى أخطار لا يعلم نهايتها إلا الله..
بدا على حماري..الإهتمام الشديد..حتى أنه ..لم ينتبه لمرور أتان مليحة بالقرب منه..
كرع بعض الكولا من سطل أمامه..قبل أن يُجيبني :
-لأن الملوك ..ومن يقف على بابهم..يا صديقي..طلاب دنيا..السلطان..عندهم غاية..
وليس وسيلة..همهم إشباع غرائزهم..وتحصيل المنافع لهم ولعشيرتهم..ولذلك تراهم ..يوم..النفير..
أول من يفر بجلده..بعد أن يكونوا قد نهبوا كل نفيس..ليفوزوا بحياة رغدة خارج الحدود..
صمت قليلا..ليحك جبهته العريضة..قبل أن يُضيف..
-وهم يا صاحبي لا يحيطون أنفسهم بالمُصلحين الديّينين..لأنهم أحوج لمن يحبب إليهم دنياهم ويفتي لهم..
بأن ما يفعلونه ..مصلحة وطنية..ولا يخرج على حدود الدين..
سألته وقد نفد صبري..
-وما الحل ..أيها الحكيم ؟
-أن يبادر..المصلحون..اصحاب الضمائر الحية..إلى قول كلمة الحقّ..والدفاع عنها إلى آخر رمق..ودفع الثمن المستحق لذلك مهما كان غاليا.ولو كان فيه التضحية بالنفس والنفيس.....فهم سيُسألون يوم القيامة عن سكوتهم عن الظلم..ورضاهم..بموادعة الظالمين..فالساكت عن الحق شيطان أخرس..ولا بد للحق من رجال
يُدافعون عنه..ولا بد..لإستقامة أُمور الناس..من عالم ..لا تلين له قناة..فيردّ الظالمين عن ظلمهم والفاسقين
عن فسقهم والطغاة عن طغيانهم..
قلت لحماري..
-وهل مثل هؤلاء..موجودون في أرضنا يا صاحبي..
أجابني..
-هم موجودون ..لا تخلو منهم أمة..ولا زمن..ولكن قلوبهم واجفة..والحق ملتبس في عقولهم بالباطل..
كثير منهم أبطرهم النعيم..وأفسدهم طلب الآجلة..وإذا لم يبادروا..إلى اصلاح ما انهدم..ووقفوا في وجه الطغاة وقفة رجل واحد..ربما ضاعت الأمانة..وعم الخراب..
لك الله يا حماري الحكيم..لقد أفزعتني..
فهل نعي يوما..كلمات هذا الحمار الناصح ؟

ليست هناك تعليقات: